راب فلسطيني بأصوات فتيات المخيم
“النا الحق نعيش بأمان وسلام” من وحي الواقع الأليم الذي يعصف بفلسطين، تتخذ مجموعة من الفتيات الفلسطينيات من مخيم الدهيشة في بيت لحم، طريقة الغناء بالراب للتعبير عن الظلم الواقع عليهن بسبب الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب إيصال رسالة الشعب الفلسطيني إلى أبعد مدى.
تمكنت الفتيات اللاتي جمعهن حبهن لموسيقى الراب من الحديث عن مشكلات وهموم بلدهن والتعبير عن كفاحهن بكلمات بسيطة تحمل معانٍ وأحلاما كبيرة يسعين إلى تحقيقها، وإيصال صوتهن لكل العالم.
“الراب” هو أحد أنواع الموسيقى المنتشرة حول العالم منذ أكثر من 30 عاماً، وانتشر بقوة في التسعينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، ولاقى صدى كبيراً في المجتمعات التي تتعرض للاضطهاد العنصري، لذلك لاقى كثير من الفلسطينيين هذا الفن وسيلة للتعبير عن الحالة الفلسطينية الصعبة.
يعتبر فن الراب متنفساً للفتيات الفلسطينيات (زين ومرام الحايك، صوفيا العيسة، داليا رمضان، نادين عودة، سيرين خالد، ديالا شاهين)، بحيث تميزن بفنهن الذي استطعن من خلاله تقوية شخصياتهن ويصرخن بأعلى صوتهن للتعبير بجرأة عن هموم حياتهن اليومية والآلام التي يعايشنها.
كانت الفتيات يسمعن أغاني الراب باستمرار، ما دفعهن للتعلم بشكل مكثف على كيفية الغناء وكتابة القوافي على أوزان مختلفة حتى أتقن هذا الفن ووصلن إلى مراحل متطورة، من أجل إيصال قصة بلادهنّ ورسالة أجدادهن التي لطالما حملوها، والمتمثلة بالعودة إلى أرضهم التي تهجروا منها.
إبداع من وحي الألم
سخّرن موهبتهن في كتابة الأغاني الوطنية والاجتماعية وتأديتها بأسلوب الراب، من أجل خدمة القضية الفلسطينية ومحاكاة الواقع الفلسطيني الذي يعشنه كل يوم، وأثبتن أن الأوضاع الصعبة لا تعني أن شباب فلسطين موتى بل إنهم مليؤون بالمواهب والإبداع.
وقالت الفتيات لمجلة “ميم”: “اتخذنا الراب كطريقة لنصرخ من خلالها بصوت عالٍ ونعبر عن معاناتنا وآلامنا دون أن نعرض أنفسنا للخطر، وأن نوصل صرختنا عبر أنغام هذا الفن من الموسيقى للتأثير على الآخرين”.
وقعت الفتيات ما بين تقبل المجتمع لهذا الفن ورفضه، إلى درجة أنهن في البداية لم يستطعن الغناء أمام الجمهور، كما واجهن انتقادات كثيرة وتعرضن للسخرية ما أدى إلى شعورهن بالإحباط وترددهن في إكمال مسيرتهن، لكن بعد اقتناعهن ووثوقهن بموهبتهن امتلكن الجرأة وكسرن حاجز الخوف وأصبحن يغنين أمام كافة الجماهير ويؤثرن بهم.
تحدٍّ وصمود
شقت الفتيات طريقهن لخوض غمار هذا الفن غير مكترثات بالظروف المحيطة والانتقادات السلبية المحبطة، يكتبن ويلحنّ وينتجن بأنفسهم لعلهن يصلن إلى العالمية التي ينشدنها، مثبتات بذلك أن فن الراب ليس مقتصراً على الشباب فقط بل الفتيات أيضاً يستطعن غناءه بإتقان وإيصال أهدافهن ورسالتهن من خلاله.
فمن خلال الفن والغناء تحاول الفتيات التعبير عن رفضهن للواقع الذي يعشن فيه، وإيصال رسالة يستمع إليها كل العالم من خلال مزج إيقاعات موسيقية عربية وأجنبية على وقع ألحان شرقية مع “الهيب هوب” الحديث.
اكتشف مدرب الراب نديم العيسة موهبة الفتيات من خلال اشتراكهن في أنشطة المؤسسات المختلفة والمخيمات الصيفية، حيث كانت هناك عدة أنشطة لتدريب الراب في البداية مع مؤسسة موسيقيون بلا حدود ثم مؤسسة شروق التي تدربن فيها على يد المدرب محمد عزمي مدة ثلاث سنوات.
من خلال حلقات النقاش تدربت الفتيات على القراءة والكتابة، من ثم تدربن على الغناء والإيقاع باستخدام قوافٍ مختلفة، عبر ترديد الأغنية بقافية معينة، والتلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع القافية دون الالتزام بلحن معين.
كما وفّر للفتيات البيئة التي تتيح لهن تنمية قدراتهن وتسجيل أغانيهن عبر استوديو متطور بأحدث التقنيات، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لهن بالسفر والمشاركة في العديد من العروض على مختلف المسارح.
قال المدرب لمجلة “ميم”: إن ما يميز الفتيات أنهنّ أطفال إناث، لاجئات فلسطينيات يعشن في مخيم الدهيشة، استطعن التغلب على كافة التحديات وغناء “الراب” من خلال تسجيل أغانيهن وإيصال رسالتهن حتى أن بعضهن استطاع الوصول إلى مسارح دولية لتقديم العروض في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وعبرت الفتيات عن شعورهن بالفخر والاعتزاز لموهبتهن ولما وصلن إليه، خاصة عندما يقفن على مسرح أمام جمهور كبير للغناء، وبعد إنتاجهن أول مجموعة غنائية لهن، أو حين عرضهن لأغنية تنال إعجاب المستمعين وتأخذ نسبة كبيرة من المشاهدات، متمنيات بالوصول دوما إلى القمة.
ليست هناك تعليقات