اهم المقالات

اعتلاء المنبر نضالية



بكر أبوبكر
 عندما كان صلاح خلف يعتلي المنبر كان يخطط مسبقا على حسب ظني للغة جسده بقوة تجعل من كلماته تتخذ من الألق مركبا، فيثير ويؤثر ويتمكن. كان يتمكن حين يجعل من الصوت والنبرة والنغمة والعلو فيها والانخفاض تموجات يدركها السامع ويربطها مع يديه، وكثافة التعابير"النكبوية" في جبينه الوضاء. كان صلاح خلف كما كان خالد الحسن وسليم الزعنون وياسر عرفات وهاني الحسن وجورج حبش وخالد مشعل وعثمان أبوغربية غيرهم ممن عاصرنا، كانوا يترقبون لحظة الظهورترقب الحبيب لحبيبته. يترقبون لحظة الظهور لاجل أن يضعوا مكنون فكرهم النضالي الوطني بسياق ألسنتهم في مواجهة الناس، فلا ترى فيهم الجماهير الا حماسية الخماسية. خماسية: المصداقية والاحترام والثقة المؤسسة للسمعة المحمودة، وصولا للنمذجة بالسير على خطاهم كقدوة. مجرد أن تنتقل الأفكار المفعمة بنسيج المشاعر والقيم من منبعها أي في العقل -حيث التجهيز المسبق والتدريب المسبق سابقان على الانطلاق- الى الشفاه ويتفاعل معها الجسد بكليته فإن مؤشر المصداقية يبدا بالصعود. ومتى ما ارتبطت المعطيات لدى المتلقي مع الخبرة السابقة، وربما الشهادات أو الكتابات وتاريخ المتحدث وتناغم أقواله بأفعاله وسلوكه فإن هذه المصداقية التي يصنعها المتحدث تتقافز أمام أعينهم احتراما يكتسبه المتحدث الذي بتكرار المواقف التي تتجلى فيها المصداقية حيث لا تناقض تبدأ لبنات الثقة تُبنى لتصبح صرحا شامخا يؤشر على السمعة الحسنة. ان المصداقية تُصنع والاحترام يُكتسب والثقة تبنى. لذا فلا قيمة لكلمات باهتة او صوت متوتر او لغة جسد خابية مهما كان الكلام كبيرا!. ان القيمة بالمتحدث الجذاب للجمهور تتمثل في مقدار الإشعاع والطاقة التي تستنفذ من الانسان كليته ،فلا يعرف طعم النوم الا حين يؤدي فرضه، ليعكس هذه الطاقة الكامنة في مجرى سلوكه فيراه الناس بل وتتسرب اليهم، فلا يقولون إنه هنا غير هناك بل هو هو وهذا الاتساق والتناغم في السمة القيادية دلالة المصداقية ماتنعكس عليه وعلى تنظيمه وعلى القضية بمجملها. في دورتنا الأخيرة لتدريب المدربين أثبت ليوث الفتح الأشداء أنهم على قدر المسؤولية والمسؤولية النضالية ليست منصِبا بل إحساسا عميقا بضرورة العمل والمثابرة والانجاز وتحقيق النصرباذن الله. وهم إذ انتقلوا من مرحلة التذبذب أو الاحجام أو الحيرة أو القلق والترقب الى مرحلة الصعود، فإنهم مناضلين وبقدرتهم على بناء الذات، وعكس ذواتهم في المحيط، يكونوا قد صعدوا السلم الذي لا نهاية له الا كما يذكّرنا الأثر الحضاري العربي الاسلامي أن (العلم من المهد الى اللحد). على خطى أبواياد وابوجهاد وأبوعمار وابوالسعيد وجورج حبش... وكل الشهداء الراحلين، واللاحقين نسير متكاتفين ويدا بيد نصعد سلم النضالية الذي يتسع لكافة أشكال النضال. نحن من يجب أن نكون محصلة المصداقية والاحترام والثقة والسمعة بأن نكون القدوة في كل مجال نبدع فيه. قُدما نسير بجناحين اثنين هما جناح المحبة والمثابرة، جناح المحبة لله والوطن ولأخوتنا، وهو ذاته الذي تتراكب فيه مكونات الايمان والالتزام والانسجام والتناغم والتعاون، وجناح المثابرة حيث نعمل بلا كلل، فحيث نتعثر او نخطيء او ننكمش ننهض ولا نتراجع باذن الله الا والهدف يتجلى.

ليست هناك تعليقات