سّنُسَافِر يومًا ونبقي ذِّكِريَاتْ
د. جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
تَّنبُعْ عظمة الشعوب من جمال الصفات، والخصال النبيلة التي تبلورها الاخلاق الحميدة الفاضلة عندهُم، والتي وجدتهُا في العديد من الشعوب العربية والاسلامية عامةً، وفي الشعب المصري الأصيل الطيب، العريق خاصةً؛؛ إن مصر كنانة الله في أرضهِ، وهي أم الدنيا، وقد ذكُرت في القرآن الكريم في قوله تعالي: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ""؛ وقال تعالي: "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ"؛ وفي مصر نهر النيل أطول أنهار العالم، ومصبه من الجنة، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: « سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ »؛ ويقول الرسول الكريم العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ، دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، "وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ"، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ"؛ وللسفر لمصر مذاق وطعم خاص، وفوائد كالترويح عن النفس، واكتساب المعيشة، وتحصيل العلم، والأدب، وتكوين الصداقات، واستجابة الدعوة، وزيارة الأقارب والأصدقاء، والأحباب، وقضاء الحاجات؛ ويقول الكاتب الأميركيّ مارك توين من فوائد السفر: "إن السفر يقتل الانحياز، والتعصب الأعمى، وضيق الأفق، ولهذه الاعتبارات فإن الكثيرين ممن نعرفهم يحتاج إليه بشدة"؛ ولو قُدر لكل سُكان قطاع غزة السفر لسافروا، وبخاصةً بعد تعرضهم لحصارٍ خانق من عصابة الاحتلال الصهيوني منذُ أكثر من 12 عامًا، ولأربعة حروب مُدمرة، ولا يزالون يعانون من فقرٍ مُدقع، ومن ضيق المعيشة، ومن استمرار الانقسام الأعور، البغيض، ومن انعدام الرؤية، وكُلنا سنسافر يومًا ما، شِّئِنَا أّمْ أَبّيَناْ، فمِنكُم من َسيُسافر للسياحة للترويح عن النفس، أو للتداوي، وأخرون يسافرون طلباً للعلم، أو العمل، والتجارة، أو العبادة؛ ولككنا جميعًا سنُسافر في يومٍ كان أمرهُ مقضيًا، وقدرًا مقُدوراً، وأجلٍ مكتوب، ووقتٍ معلوم، فسنرحل كُلنا، وتخرج الأرواح من الأبدان للدار الأخرة، في يُومٍ سيأتي لا ريب فيه، لتوفي كل نفسٍ ما كسبت، في يُّومٍ لا ظُلمْ فِّيهِ؛ فعلينا أن نُحسن السفر في الدنيا لنكون رُسل سلامٍ وخير؛ يقول جون كنيدي، والذي تولّى منصب الرئيس الخامس، والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 20 يناير 1961م، وتم اغتياله في 22 نوفمبر 1963، :" لا تسأل الدولة ماذا تستطيع أن تفعل من أجلك، بل اسأل نفسك ماذا تستطيع أن تفعل من أجل بلادك"، فُكن أيهُا الُمسافر سفيرًا لبلادك بَِأخَلَاِقك الفاضلة السامية، الراقية، لترقى بك، وكُن ناقلاً للعادات الحميدة، والافكار السليمة، والثقافة العالية، وعن السفر قال أبو تمام حبيب بن أوسٍ الطائيّ أحد أمراء البيان: "وطول مقام المرء في الحيِّ مخلقٌ لديباجتيه،، فاغترب تتجدَّد،، فإني رأيت الشَّمس زيدت محبَّةً إلى النَّاس، إذ ليست عليهم بسرمد"؛ ويقول الإمام محمد الشافعي رحمه الله عن فوائد السفر :" تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلُى وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَة ٍ وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَة ُ مَاجِد"؛؛ وفي السفر إثراء الثقافة والتبادل المعرفي وتوسيع الآفاق، التعرف على الحضارات والتاريخ والمعالم الهامة، الاستقلالية والحرية، والمغامرة والاستكشاف، الابتعاد عن الروتين، الاسترخاء واستعادة الطاقة، ومن سنة النبي عند الوداع للسفر القول للمسافر:" أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه""؛؛ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا سافر ، خرج من أول النهار ، وكان يستحب الخروج يوم الخميس ، ودعا الله تعالي أن يبارك لأمته في بُكورها؛؛ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول حين ينهض للسفر : اللهم إليك توجهت ، وبك اعتصمت ، اللهم أكفني ما أهمني وما لا أهتم به ، اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي ، ووجهني للخير أينما توجهت؛؛ وكان إذا قدمت إليه دابته ليركبها ، يقول : بسم الله حين يضع رجله في الركاب ، وإذا استوي علي ظهرها ، قال: الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلي ربنا لمنقلبون ، ثم يقول : الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ، ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ثم يقول : سبحانك إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ويقال هذا الدعاء حالياً عند ركوب السيارة أو الطائرة أو الباخرة؛ وكان يقول : اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطو عَنّا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال وإذا رجع ، قالهن ، وزاد فيهن : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم ، هو وأصحابه إذا علوا الثنايا ( المرتفعات والجبال ) كبّروا ، وإذا هبطوا الأودية سبّحوا، وكان إذا أشرف علي قرية يريد دخولها يقول : اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين ، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها، وشر أهلها وشر ما فيها؛؛ وفي النهاية مهما بعُدت الطريق، وطال السفر لابد من أن يصل المسافر إلي محطتهِ الأخيرة، وهكذا الدنيا لا بد من النهاية والانتقال من دار الدنيا الفانية إلي دار الأخرة الباقية، وإلي حياة البرزخ الأخرى يقول الأديب الكبير نجيب محفوظ: "سأسافر غداً، وتمسون صوراً، وذكريات ، لا تجمعونني فقط ، أو لا تذكرونني بتاتًا ، ولكن كيف أكون؟ وأين؟ وهل أملك في وحدتي إلا أن أذكركم ؟؟ ولأظلن هكذا إلي الأبد"! ..
ليست هناك تعليقات