اهم المقالات

القتل البارد البطيء


إن التاريخ الإنساني حافل بمشاهد عدوان الإنسان، على أخيه الانسان، وذلك منذ فجر البشرية الأولي في قصة ابني آدم المذكورة في سورة المائدة، في القرآن الكريم في قوله تعالي: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ"؛ ولكن هذا القتل، وإن كان عدوانًا سافراً، وقبيحًا، وأليماً، لقتله أخاهُ فوراً بِّصّخَِرهِ حطم بها رأس أخيهِ!؛ ولكن هذا القتل أودي فوراً بحياة هابيل ليكون بأمر الله خالدًا في الجنة، بينما القاتل قابيل أصبح من الخاسرين للأبد!!؛ وكثيرون اليوم يُّقتُلونْ بطريقة أسوأ من القتل الفوري!؛ إنهُ القتل البارد البطيء رويدًا رويدًا، حتي أخر رمق، وأن لا تبقي قطرة دم في جسد الضحية القتيل!؛ فالقتل البارد هو أن تقتل الشخص، وهو حي!؛ من خلال قّتَلهُ داخليًا ونفسياً، لينعكس هذا علي وجههِ، وتصرفاته خارجيًا، وأمام أسرتهِ وزوجه, وأولادهِ، وأصحابهِ، والمجتمع، إنهُ القتل البطيء، وهو من أصعب، وأبشع أنواع القتل البشري!؛؛ لأنهُ يترك اثراً نفسياً عميقاً؛ ويؤثر مباشرةً علي كل شيء، فيعيش المقتول ببطيء كأنهُ ميت، وهو حي، ويكون في حالة سوداوية!؛ يتمني فيها الموت كل يوم، وما هُو بِّميتْ، ويأتيهِ الموتُ من كل مكان!!؛ وذلك من خلال خصم البنوك للقرض من راتبهِ الّمنكُوب، والذي لم يتجاوز 40% منذُ عدة شهور، ومن الديون للبقالة، وللسوق، وقائمة الديون يطول شرحُها الخ..، لقد تأمل أبناء حركة فتح بغزة، وجلُهم موظفين؛؛ من حُكومة دولة رئيس الوزراء د. محمد اشتيه الكثير من الخير؛ ولكن سُرعان ما تحطمت الآمال، وتبددت وصارت أوهام!؛ وكأن حالنا يقول: مُحمدٌ يرث ومحمدٌ لا يرث!!؛ لأن الحكومة الفلسطينية، ومعها سلطة النقد، تركت الباب موارباً بل مفتوحًا علي مّصِراعيهِ للبنوك ، "الغير وطنية" لتوجه الضربة الموجعة جداً والمؤذية للموظف الغلبان المقهور المّظلُوم؛ مما تسبب بضرر نفسي كبير جدًا للموظفين، وصل ّحدْ الإيذاء الجسدي، لإصابة الكثير من الموظفين بالأمراض نتيجة القهر، والاذلال، والفقر المدقع الذي يتعرضون له بسبب الخصومات الكبيرة لرواتبهم، والمستمرة!؛؛ فلقد مضي أكثر عامين لم يتقاضى خلالها الموظفين الشرعيين في غزة رواتبهم كاملة، وهُم التابعين للشرعية في رام الله والمدافعين عنها بكل قوة، مما نتج عنه القتل البارد، والبطيء لهم، وأدي لدمار اجتماعي كبير أّضْر بِأّسُّرِهِم فأصبحوا غير قادرين علي دفع الرسوم الدراسية لأبنائهم في الجامعات؛ وتحول أعداد كبيرة منهم الي مراكز التوقيف والسجن في غزة بسبب شيكات راجعة، وديون عليهم لا يستطيعون سدادها!؛ ومنهم من لم يتحمل القهر فمات بجلطة قلبية، أو سكته دماغية، ومن الموظفين من أصيب بالشلل من شدة القهر والظلم، بينما جُّلْ المحافظين الأبطال!؛ وقيادات فتح الكبيرة بغزة يقبضون رواتبهم ونثرياتهم كاملة غير منقوصة، ويعشون في رغد الحياة هم وأولادهم والذين سرعان ما يتم توظيفهم، وكأن علي رأسهم ريشة الملوك!!؛ نحن نعلم ذلك يا سادة، وأكثر!؛ فلا يمكن، ولا يُعقل، ولا يجوز أبداً أن يصبح الموظفين الذين دفعوا ضريبة الوطن، وغالبيتهُم من خيرة كوادر، وأبناء حركة فتح، وقادتها الشرفاء الملتزمين بالشرعية، والذين أمضوا زهرة شبابهم بسجون الاحتلال في الانتفاضة الأولي، وكانوا سببًا بقدوم السلطة الوطنية لأرض الوطن، أن يصبحوا متسولين في الشوارع والطرقات العامة؛ والبعض الآخر منهُم ترك الوطن، وهاجر لبلاد الكفر لآنهُ وجد الكفر يُطبق فعلياً في بلاد المُسلمين، ووجد تعاليم الإسلام تُطبق في بلاد الكفار وإن كانوا غير مُسلمين!!؛ فلا يُّعقَلْ أن يستمر القتل البارد والبطيء للموظفين، وخصوصاً مع حلول شهر رمضان المبارك، وأن يتحول أعداد كبيرة من الموظفين التابعين لحركة فتح الي متسولين بشكل رسمي؛ علمًا أنهم أهل الوطنية والنضال، وجميعهم ضد صفقة القرن جملة وتفصيلاً، ويشيدون بقوة بموقف السيد الرئيس أبو مازن، الوطني المُقدر والكبير، برفضه القرصنة الصهيونية علي أموال المقاصة؛؛ ولكن لا يعقل أيضًا في ذات الوقت أن لا يكون قرار صادر من قيادة الحكومة في السلطة مُلزماً للبنوك وبشكل فوري، لكي توقف مجزرة الخصومات علي رواتب الموظفين المقترضين؛ ولمدة لأربعة شهور علي الأقل؛؛ احترامًا علي الأقل لحرمة شهر رمضان الفضيل المبارك!!؛ علمًا أن ما يجري من قتل بطيء للموظفين ستكون له نتائج كارثية، وخطيرة جداً علي أبناء حركة فتح، والقاعدة الشعبية العريضة لها في قطاع غزة، أقلها تّرَنُحْ، وانخفاض شعبية حركة فتح في اوساط القاعدة الجماهيرية للحركة في القطاع، وكذلك انعدام الثقة بصورة كاملة في كل قادة الحركة في قطاع غزة !؛ بل سأكون صريح أكثر؛! اذا استمرت المعاناة الانسانية للموظفين، من أبناء حركة فتح، والاهانة والاذلال، والقتل الناعم، والبارد لهم في محافظات غزة، فلا تستبعدوا أبدًا في حال جرت انتخابات تشريعية، ورئاسية في المستقبل، أن لا يكون فوزاً كبيراً للحركة كما تصبو له؛ علمًا بأن الموظفين الذين يتقاضون جزء من رواتبهم منذ أكثر من عامين هم من كوادر وأبناء حركة فتح الذين تم تعيينهم زمن الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات رفيق درب الرئيس محمود عباس، كما كان لهم دوراً بارزاً وحيوياً في بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية المدنية، والعسكرية، علمًا تم احالة الالاف منهم للتقاعد الُمبكر القسري، ورضوا في الّهَمْ، وكأن اّلّهَمْ لم يرضي بِّهم؛ فعلي الرغم من احالتهم للتقاعد لكنهم أيضًا لم ينالوا حقوقهم حتي الان من مستحقات ال 6% للتقاعد، وخاصة المُتقاعدين العسكريين، وكذلك رغم تقاعدهم يتم الخصم عليهم كأنهم غير مُتقاعدين!!؛ إنهُ القتل البطي البارد يا سادة!؛ لقد بلغت القلوب الحناجر وبلغ السيلُ الزُبي؛ نتمنى أن تتداركوا الأمر، ويتم، وقف خصم القروض علي الموظفين، ومساواة كل موظفين الوطن سواسية، وأن يتم صرف كامل مستحقات المتقاعدين الذي تم احالتهم للتقاعد، فلا خير فينا إن لم نقُل الحقيقة التي يّتهَامَسْ بها ألاف مؤلفة من الموظفين بغزة؛ ولا خير فيكُم إن لم تسمعوها، وتسمعوا لنا، الَلهُم ْ إني قد بلغتُ الَّلُهمْ فأشهد..
 الأديب الكاتب، والباحث الصحفي، والمفكر العربي الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسطين المفوض السياسي والوطني والمحاضر الجامعي غير متفرغ.

ليست هناك تعليقات