اهم المقالات

ملء الكروش وإفراغ العقول


بكر أبوبكر

حتى لو افترضنا أن فلسطين ليست مقدسة من الناحية الدينية، رغم الإشارة الصريحة لها في القرآن الكريم وفي أحاديث سيد الخلق كأرض رباط وجهاد، وحتى لو افترضنا أن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ليست له المكانة الدينية العظيمة-التي أشارت لها النصوص الاسلامية بوضوح- كما يدعي البعض.

 وحتى لو ألغينا التاريخ الذي ارتبط بالقدس من عصر السيد المسيح عليه السلام، أو على الأقل من عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن تلاه تبقى القدس وتبقى فلسطين جزء لا يتجزا من أرض أمة لسان العرب، وتبقى أرضا محتلة ومستعمرة وجب التعامل معها بصيغة الجزء الذي تم اقتطاعه قسرا من الكل.

نرى هذه الأيام أن الانحدار التربوي الثقافي الفكري قد وصل لدى عدد من أشباه العربان الى التحلل من المنطلقات الأساسية والى التبرؤ من الرواية التاريخية الحقيقية والانتقال بكل جرأة، بل بقلة حياء من محاكمة الأمور من زاوية الحق المشروع المرتبط بالقانون والسياسة والنضال والمقررات الدولية والدين الى نمط التفكير الاستهلاكي الوضيع.

العقل الاستهلاكي المنبطح والمنبهر بالآخر هو عقل مستقبِل كالوعاء الذي يستقبل الغث والسمين دون قدرة على التمييز، فهو في طبيعته المستقبلة المنسحقة هذه يدل على تفاهة التافهين وتتفيههم لأنفسهم من جهة وتتفيهم للقضايا ذاتها حتى القضايا الكبيرة مثل قضايا الأمة كلها، حيث تُحتل فلسطين وأراض من سوريا ولبنان، وجزر من الإمارات وأراض من المغرب.

عندما يتحول العقل من التفكير بالقضايا ومصالح الناس ومنطق الاستخلاف والعبادة والوعي الى التفكير الحيواني الدوني المرتبط بملء الكروش فقط، وإشباع ما بين الرجلين والنوم في العسل تسقط من روح الشخص القيم والأخلاق كما تسقط المباديء والأهداف الجماعية.

 حين إسقاط الفكر والعقيدة والقيم  فإن منطق الإشباع الحيواني الذاتي يصبح هو الحاكم على ما سواه، ويصبح الجهل والغباء علما مرفوعا فوق الرؤوس المزينة بالعلم الصهيوني والامريكي.

لقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي إسهاما مباشرا في تقريب الحضارات، وما كان لذلك من أهمية عظمى لمن يعقلون، إلا أن هذه الميزة تتحول بكل ثقلها الى تراكم جهالة عند العربان الجاهلين الذي يسيئون استخدامها فيستسلمون.

 بدلا من أن تكون هذه الوسائل الاتصالية كاشفة للفروقات بين الثقافات، ومرحابة مع المختلف باعتبارها منصة تقارب لا تلغي ثقافتنا وحضارتنا وتميزنا وروايتنا، فإنها تتحول عند الجهلة لمعول هدم للقيم والمباديء نتيجة الأسلوب والطريقة الغبية التي يتم التعامل فيها مع هذه الوسائل.

 يظهر الانبهار بالآخر والانسحاق تحت قدميه، وتحت ضغط دعائيته جليا حين تصبح الأفكار بين مشتتة ومنفعلة، وبين منقادة طواعية للأقوى وبشكل مطرد تتجه نحو التبعية كمن يقبل احتلاله واستعمارة بل وينظّر له. أو كما يقول الكاتب خالد زيادة في كتابه: المسلمون والحداثة الاوربية حين يشير الى (الانسحاق امام قوة الآخر) و(التماهي مع صورة المستعمِر الغالب).

 وهذا ما كان من بعض جهلة الأمة أيام الاستعمار المباشر، واليوم أمام الاستعمار الثقافي والسياسي والاقتصادي والدعائي الطاغي ، إذ يُسقط هؤلاء المنسحقين نفسيا ووعيا فلسطين من سِفر الاسلام، ومن سفر المسيحية، ومن سفر حضارة الأمة التي ما قامت ولا استمرت الا بفلسطين ورجالاتها ونسائها.

فلسطين هي واسطة العقد التي احتلتها الدول الاستعمارية وزرعت فيها الاحتلال الصهيوني فقط لتنتج أمثال هؤلاء الخصيان الجهلة الذين لا يفرقون بين مفهوم الحق والمباديء والمصالح فيبيعون أنفسهم للشيطان مقابل نظراتهم النهمة للشقراوات. 

ليست هناك تعليقات