في معادلة الالتزام بخط الفعل
بكر أبوبكر
يقول الله تعالى:"وَلَو أَنهم فعلوا مَا يوعظون بِهِ لَكَانَ خيرا لَهُم وَأَشد تثيبتا وَإِذا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عَظِيما ولهديناهم صراطا مُسْتَقِيمًا "-النساء 66-68
في سياق فهم قيمة الالتزام بالأهداف (ماكانت سليمة وشرعية)،وبالمباديء (مايوعظون به) مجلَبة للخير على عمومِه، والثبات في أمورهم وعزائمهم، وبالعلم والإرادة بلا تشكك "ولو كان على بصيرة لاكتسب على عمله أجرا"، وتصديقا ("وتثبيتا على الحق"-القرطبي)
وفي إطار الالتزام بالاتمام والإكمال ودوام خط الفعل والطاعة للأوامر تتحقق الأمور الأربعة التالية كما يشرحها الشيخ السعدي في تفسيره:
١-الخيرية: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها أي يصبحون من الأخيار لا الأشرار لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
٢-التثبيت: عند وقوع المصائب والمكروهات،والتثبيت على الايمان[1] والطاعات، وبالعمل والصبر والرضا والشكر.
٣-الأجر العظيم: دنيا وآخرة وفي الروح والقلب والبدن
٤-الهداية:للصراط المستقيم متضمنة العلم والمحبة، والعمل والسعادة
من الممكن أن نجول في بحر الآيات الزاهر والزاخر لنستخرج اللآليء ونتفكّر ونتدبّر ونتأمل.
ففي كل آيات القرآن الكريم حثّ على العطاء والعمل بصيَغ مختلفة، واقتران محمود للنظري مع العملي، أي للايمان والفعل: فلا صلاة وإن كانت بحد ذاتها عملاً فِعلا بلا فعل لاحق وهو فعل الصلاح عبر النهي (عن الفحشاء والمنكر)
ولا صدقات رغم أنها فعل الا بنهي عن فعل مذموم مثل المنّ على الآخرين، ولادعاء بلا عمل فالسماء لاتمطر ذهبا ولافضة.
النظر في آيات القرآن الكريم عملٌ نُجزى عليه ونؤجر، ويزداد الأجر للأضعاف مع التطبيق باذن الله.
في الآيات الكريمة مثار التفكّر اقتران جميل بين العمل (فعلوا) وبين الخير (خيرا لهم) بوساطة الالتزام (مايوعظون)،لتصبح معادلة: فعل ناجز+التزام بالديمومة=النصر أو الفلاح.
ما نراه أيضا في شرائط النصر أو الفلاح في عديد الآيات ومنها قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). آل عمران200
وفي الآية هذه حثٌ على ممارسة فضيلة أو قيمة الصبر، والحثّ والتحاث عليه، وعلى ديمومة العمل عمل الثبات والرباط والتقوى ما هو موجه للمؤمنين لعل الفلاح والنصر يكون من الله في ركابهم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)-الصف)
ونحن في سياق الالتزام بالعمل والعطاء ونفاذ الهدف ليتحول الى خطوات نقول أن معادلة النصر أو الفوز هنا من الآية 200 في آل عمران قد نفهمها ضمن 5 عوامل وجب توفرها: وهي 1-الايمان و2-الصبر (على الفرح وعلى الاذى، وعلى دوام الفعل بلا كلل، وعلى ترقب النتيجة) و3-الحث والتحفيز المتبادل (المصابرة) و4-الرِباط أو الثبات في الأرض وعلى الفكرة وعلى المبدأ وعلى الهدف المقصود أكان غاية أم هدفا أي أكان أهدافا كبرى أو صغرى وضعت موضع التطبيق الزمني كما نقول في التنظيم والإدارة والمقاومة، وفي حرث الذات وبنائها، و5-في سياق القيم والاخلاق والضمير والصِلة غير المنقطعة مع الله من خلال التقوى ما يشذّب النفس ويجعل للهدف قيمته وللإيمان عظمته وللصبر والمصابرة فعاليتها وللرباط جذريته.
وبالعودة اللطيفة للآيات الكريمة من سورة النساء بداية المقال أيضا نتأمل مفهوم الالتزام في حياتنا وعملنا وجهادنا ومقاومتنا واكتسابنا لأي مهارة اوقدرة في سياق الثبات على الحق مهما كانت المتغيرات ومهما كانت التحديات ومهما كان الامتحان أو الابتلاء .
حيث أن نتيجة الفعل المستند للإيمان هي الثبات وليس الخير فقط، وفي الثبات ذاته خير ما كان في سياق الالتزام، وبالطبع في ضوء فهم أن القاعدة في الحياة هي التغيير وفهمه والتعاطي معه، بما لا يضر بالقواعد والأصول والمقاصد الثابتة.
بل ويفيض الله عليهم –كما بالآية-من لدُنّه من عنده بما يشاء من الأجر العظيم والهداية، فتأمل مقدار الهدايا أوالعطايا التي يقدمها الباري عز وجل للعاملين المؤمنين الملتزمين.
في صيغة المبالغة "خيرا وأشدُ تثبيتا" دلالة على التمييز، فلم يقل ثباتا أو تثبيتا وإنما "أشد تثبيتا" أي من غيرهم، ممن قد يكونوا خيّرين وثابتين بدرجات ، مضيفا لذلك المِنح اللدنّية من الله سبحانه بالصراط، والأجر غير المحدود بل العظيم.
وفي ذلك أيضا تبكيت(مستوى من التقريع والتعنيف والتوبيخ)[2] لمن لم يتّعظ ومن لم ينفّذ التعليمات المرتبطة بالمبدأ او العقيدة أو الهدف، وهو ذاته من لم يؤمن، ومع التبكيت إشعار له بمقدار الخسارة والفقد العظيم الذي طاله.
إن العمل أو الفعل الذاتي، والفعل الجماعي الرِسالي كجهاد أو مقاومة أو نضال أواكتساب مهارة أو بناء ذاتي لا يحتمل لتحقيقه الناجز الا في ضوء الهدف (الأهداف) القابل للتطبيق وفي ظل ديمومة الخطوات المتصلة خطوة تتلوها خطوة بسلاسة وتناغم وإيمان والتزام بخط الفعل ذلك دون تعجل (صبر ومصابرة) وفي سياق عدم التخلي عن مهمة تحقيق الهدف لأن الله سبحانه وتعالى قد وضع النتيجة المتحققة حُكماً في ضوء (الرباط والثبات) ليكون لنا بإذنه تعالى الفوز والفلاح والنصر.
الحواشي:
[1] قال عليه السلام وتنسب أحيانا لأبي بكر وفي اخرى لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: إن من أمتي رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.
[2] يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: (قالت اليهود : ما أسخف هؤلاء يؤمنون بمحمد ثم لا يرضون بحكمه ، ونحن قد أمرنا نبينّا بقتل أنفسنا ففعلنا وبلغت القتلى منا سبعين ألفا! فقال ثابت بن قيس بن شماس : لو كتب ذلك علينا لفعلنا ، فنزلت هذه الآية تصديقا لثابت بن قيس . ولا يخفى بعده عن السياق لأنه لو كان كذلك لما قيل ما فعلوه إلا قليل منهم بل قيل : لفعله فريق منهم . وقال الفخر : هي توبيخ للمنافقين ، أي لو شددنا عليهم التكليف لما كان من العجب ظهور عنادهم ، ولكنا رحمناهم بتكليفهم اليسر فليتركوا العناد . وهي على هذا الوجه تصلح لأن تكون تحريضا للمؤمنين على امتثال الرسول وانتفاء الحرج عنهم من أحكامه، فإنه لم يكلفهم إلا اليسر، كل هذا محمول على أن المراد بقتل النفوس أن يقتل أحد نفسه بنفسه .
[1] قال عليه السلام وتنسب أحيانا لأبي بكر وفي اخرى لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: إن من أمتي رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.
[2] يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: (قالت اليهود : ما أسخف هؤلاء يؤمنون بمحمد ثم لا يرضون بحكمه ، ونحن قد أمرنا نبينّا بقتل أنفسنا ففعلنا وبلغت القتلى منا سبعين ألفا! فقال ثابت بن قيس بن شماس : لو كتب ذلك علينا لفعلنا ، فنزلت هذه الآية تصديقا لثابت بن قيس . ولا يخفى بعده عن السياق لأنه لو كان كذلك لما قيل ما فعلوه إلا قليل منهم بل قيل : لفعله فريق منهم . وقال الفخر : هي توبيخ للمنافقين ، أي لو شددنا عليهم التكليف لما كان من العجب ظهور عنادهم ، ولكنا رحمناهم بتكليفهم اليسر فليتركوا العناد . وهي على هذا الوجه تصلح لأن تكون تحريضا للمؤمنين على امتثال الرسول وانتفاء الحرج عنهم من أحكامه، فإنه لم يكلفهم إلا اليسر، كل هذا محمول على أن المراد بقتل النفوس أن يقتل أحد نفسه بنفسه .
بكر أبوبكر
كاتب وأديب عربي فلسطيني
في الفكر والدراسات العربية والاسلامية
Baker AbuBaker
Palestinian Author & writer
Arab Thinker
www.bakerabubaker.info
ليست هناك تعليقات