حّرَّبٌ شَّعُواء، عمياء وضّرَوُسْ يشنُّهَا الاحتلال علي مدينة القُدس، والمسجد الأقصى المبارك
تَّشَتّد، في هَذهِ الأيام، وتتسع، وتّتوحش الهجمة الاستيطانية الهمجية المسعُورة من عصابة الاحتلال الاسرائيلي المُجرم العنُصري، وقطعان الغاصبين من المستوطنين المُّتطَرفين، علي المسجد الأقصى المبارك، وعلي مدينة القدس التي تُعتبر مفُتاح السلام، والأمن والسلم العالمي، ومِنْ القُدس يشتعل فتيل الانفجار اللهيب الكبير المُهيب. وإن المسجد الأقصى المبارك مرتبط عقائدياً بِطُهر، وقداسة، ومكانة، وعظمة مكة المكرمة، قال الله تعالى عنها: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؛ ولقد جاء في الحديث الشريف الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لقد رأيتني في الحِجْر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء في بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط»، قال: «فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رَجُلٌ ضَرْبٌ – وسط - جعد - من جعودة الشعر-، كأنه من رجال شَنُوءَة - قبيلة مشهورة، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم - يعني: نفسه، فحانت الصلاة، فأممتهم»؛؛ وقد أُسْرِىَ برسول الله صل الله عليه وسلم بجسده وروحهِ من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البُرَاق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إمامًا، وربط البراق بحلقة باب المسجد، ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا"؛ لذلك فإن معجزة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حادث عادي، بل اشتملت على معانٍ ودروس كثيرة، فأظهرت أهمية، وطهر، وقداسة وعظمة المسجد الأقصى المبارك، الذي يعُد هو دار، وبيت الأنبياء من لَدُنْ إبراهيم الخليل عليه السلام إلي زمن بعث النبي عليهِ السلام. وعلي الرغم من مكانة مدينة القدس تاريخياً، ودينياً، وسياسياً، وعظمة المقدسات التي فيها، إلا أن الحكومات الصهيونية المتعاقبة لعصابة كيان الاحتلال، لم تذخر جهداً لانتهاك حرمة تلك المقدسات!؛ فقامت بوضع مخططات خبيثة شيطانية طويلة الأمد، وبدأت بتمريرها تدريجياً علي مر الأيام، والشهور، والسنين، وذلك من أجل السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى المبُارك، ومدينة القدس، التي ترتبط بالأمة العربية والإسلامية عقائدياً، وروحياً، وسياسياً، واجتماعياً، وجسدياً، ومتجذرة سرمدياً، وتاريخياً في شغاف وسويداء قلب وروح ووجدان الشعب الفلسطيني، كون أجدادهم العموريون الكنعانيون هم أول من بنى المدينة، وسكنها في الألف الخامس ق.م خلال تاريخها الطويل؛ والذي تعرضت فيهِ القدس تاريخياً للتدمير مرتين، وحوصرت 23 مرة، وهوجمت 52 مرة، حتي احُتلت مدينة القدس من قبل الجيش البريطاني في ديسمبر/كانون الأول 1917م، وذلك بعد شهر من إصدار، وعد بلفور المشؤوم الصادر في الثاني من نوفمبر 1917م؛ و لتكتمل خيوط المؤامرة والجريمة علي فلسطين، والقدس، وذلك حينما منحت عصبة الأمم المتحدة في عام 1922م بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، واستمر الانتداب حتى إعلان انتهائه عام النكبة 1948م، وتسليم فلسطين لعصابة المستوطنين اليهود. لقد كانت مدينة القدس المحتلة، ولا تزال بمساجدها، وكنائسها، أرضها، وسمائها في عين العاصفة، وفي قلب بؤرة استهداف الاحتلال لها، وذلك بحكم رمزيتها وموقعها في وجدان العرب والمسلمين وكل الأحرار في العالم. لقد ركز الاحتلال، وقطعان مستوطنيهِ المتطرفين سياساتهم وإجراءاتهم لتهويد المدينة المقدسة، عبر العمل علي إفراغ أهلها منها بشتي الوسائل والطرق، وعبر الترهيب، والوعيد، والقمع، والمجازر، والقتل، والتشريد للمقدسين الفلسطينيين، وتخلل ذلك حماية تامة من عصابة جيش الاحتلال الاسرائيلي للمستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى المبارك ليلاً ونهاراً، فأصبح أولئك الغاصبين المستوطنين كالكلاب المنفلتة المسعورة الضالة، التي تلهث، ويسيل لُعابُها النجس علي أرض القداسة، فلسطين، وعلي ساحات المسجد الأقصى المبارك. حيثُ تعيش اليوم مدينة القدس المُحتلة، وسكانها العرب، لاستهداف الاحتلال مباشرةً، وتتعرض مساجدها، وكنائسها لعدوان سَّافِر، ومتواصل، وهمجي، وشرس من المتطرفين المستعمرين من الغاصبين المستوطنين، ومعهم عصابة حكومة اليمين الصهيوني المتطرف؛ حيثُُ يقودُهم، ويَّسوُسُهم زعيم أكبر عصابة في كيان الاحتلال وهو: "بنيامين نتنياهو"؛ فلقد استهدفوا كل شيء في مدينة القدس، وخاصةً بعد وصول الرئيس الأمريكي المتطرف دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة، واعلانهِ القدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية لها؛ مما جعل عصابة الاحتلال، والمستوطنين يتغولون، ويزدادون استعاراً، واستحماراً، واستكباراً في الأرض، متجاهلين، ومتناسين أن مدينة القدس فيها خير أجناد الأرض من شعب الجبارين الموحدين المؤمنين. لقد استهدف الاحتلال تهويد كل شيء في مدينة القدس بدءاً بتغير وأسرلة المناهج التعليمية الفلسطينية؛ وكذلك العمل علي التهجير الجماعي للفلسطينيين من مدينة القدس، مع اصدار قانون يهودية الدولة العنصري، وكذلك إصدار "قانون التنظيم، والتخطيط"، من أجل تهويد مدينة القدس، والذي انبثق عنه مجموعة من الخطوات الإدارية والقانونية المعقدة، والتعجيزية، خاصة في مجالات الترخيص، والبناء، بحيث أدى ذلك إلى تحويل ما يزيد على 49% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء يمنع البناء للفلسطينيين عليها، وتستخدم كاحتياط لبناء المستوطنات كما حدث في جبل أبو غنيم، وقد دفعت هذه الإجراءات إلى هجرة سكانية عربية من القدس إلى الأحياء المحيطة بالمدينة، وتوجد مُؤّشِّرات إحصائية خطيرة حول تهويد مدينة القدس؛ حيثُ تقوم سلطات الاحتلال بحملة مسعورة لهدم منازل الفلسطينيين في المدينة المقدسة؛ كما تضع سلطات الاحتلال العراقيل، والمعوقات لإصدار تراخيص البناء للفلسطينيين، وهدم ألاف بيوت السكان العرب في القدس الشرقية، والعمل علي تطويق التجمعات السكنية الفلسطينية، والحد من توسعها الأفقي والعمودي لاستيعاب التزايد الطبيعي للشعب الفلسطيني؛ كذلك عملت حكومة عصابة الاحتلال جاهدةً علي تهويد أسماء المواقع الفلسطينية في مدينة القدس وفي كل فلسطين المحتلة، وسعت لطمس، وشطب أسماء القرى والمدن الفلسطينية و"عبْرَنَتها"، وتم تغيير أسماء 216 موقعاً فلسطينياً!؛ كما تمت "عّبرنه" ( 7000 ) اسم لمواقع فلسطينية على الأقل، فضلاً عن الأسماء التاريخية والمواقع الجغرافية (أكثر من 5000 موقع) وأكثر من 1000 مستوطنة، استكمالاً لمشروعها التهويدي العنصري!. وقد بدلت أسماء المناطق العربية بأسماء (إسرائيلية)!؛ مؤكدةً، ومُرّسِخةً ذلك في المناهج التعليمية، لِّشرعَنِه هذه الأسماء العبرية في أذهان الطُلاب من الأجيال الفلسطينية الناشئة؛ كما سعت قوات الاحتلال بعد اتفاقية أوسلوا لزيادة تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، بدلاً من السعي لتحقيق السلام العادل، والشامل في المنطقة!؛ وجلعت في هذه الأيام، أكثر من نصف المستعمرين المستوطنين يسكنون في محافظة مدينة القدس، وضواحيها!!. كما قامت عصابة الاحتلال المجرم ببناء جدار الضم والتوسع العنصري والذي التف كالأفعى ليحاصر مدينة القدس المُحتلة، وليحرم أكثر من 55 ألف فلسطيني من حملة الهوية المقدسية من الإقامة بمدينة القدس، وكذلك أزالت بعض التجمعات السكانية الفلسطينية بحجة بناء الجدار!؛ وضرب هذا الاحتلال بعرض الحائط كل القوانين والاعراف، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية!!؛ ساعياً لهدم المسجد الأقصى المبارك، ولتنفيذ المخطط الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي الرامي إلى دمج المستوطنات المحيطة بالقدس، علماً أن جدار الضم والتوسع العنصري "الابرتهايد"، قد عزل نهائيا حوالي 40 تجمعاً سكنياً فلسطينياً!؛ كما حرم الجدار أكثر من 53 ألف من حملة هوية القدس من الوصول، والإقامة بالقدس، كما حاصر الجدار 173 تجمع سكاني يقطنها حوالي على 890 الف نسمة، وقد كَثُرت اليوم وتوسعت وتكررت الاعتداءات علي أهل مدينة القدس، من قبل قطعان المستوطنين المدججين بالسلاح والمحميين من قبل عصابة قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ ليستمر مسلسل التهويد، وعزل مدينة القدس، وضواحيها عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب والشرق؛ وكذلك فصل شمال الضفة عن جنوبها، والتحكم في حركة الفلسطينيين بين شمال الضفة الغربية وجنوبها؛ حيثُ يعمل الاحتلال اليوم علي قطع التواصل الجغرافي بين أنحاء الضفة الغربية، محاولاً تقسيمها إلى بقع متناثرة، واحلال روابط القري، والإدارة المدنية بدلاً عن السلطة الوطنية الفلسطينية!؛ وبالتالي الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا!؛ كما سعي الاحتلال إلي تهويد مدينة القدس زمانياً ومكانياً؛ مع السعي لهدم المسجد الأقصى المبارك!؛؛ ويتزامن مع هذا المخطط الصهيوني الخبيث العمل علي تشويه النمط العمراني التاريخي للقدس العتيقة، والقرى الفلسطينية، الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وذلك بإدخال النمط العمراني الحديث. إن كل ما يجري اليوم، وما جري علي مدار ما يقارب زهاء قرن من احتلال مدينة القدس، يؤكد بأن عصابة المستوطنة التي أسموها (إسرائيل)!؛ والتي يرأُسها زعماء عصابة من حاخامات، وسياسيين اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة حزب الليكود يسعون جاهدين لتحويل الصراع إلي صراع ديني، وذلك عبر محاولاتهم المستميتة يومياً لتهويد المسجد الأقصى المُبارك، من خلال تكريس سياسة اقتحام المسجد، والاعتداء على المرابطين داخله، وفرض تقسيم ساحاته زمانيا بين الفلسطينيين والمحتلين في غير أوقات الصلاة كمرحلة أولية يتبعها تقسيم مكاني، ثم السيطرة الكاملة عليه لاحقا، وتغيير هويته لبناء ما يسميه الاحتلال الإسرائيلي "الهيكل الثالث المزعوم" مكان قبة الصخرة المُشرفة!؛ وليكون تخطيطهُم، وتدبيرهُم سبباً في مقتّلِهِمْ، وتدميرِهم؛ فتحويل الصراع إلي ديني سيجعل كل عربي، ومسلم، ومسيحي موحد في العالم ينتفض نُصرة للمقدسات الاسلامية، والمسيحية التي تهُود وتنتهك حُرمتها ليلاً ونهاراً في مدينة القدس!؛ ونهاية سقُوط هذا الاحتلال تحت النعال قد اقتربت.
الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسطين
رئيس الهيئة الفلسطينية للاجئين سابقاً
عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، وعضو اتحاد المدونين العرب
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب، والأكاديميين والمثقفين والمدربين العرب
عضو الاتحاد الدولي للإعلامين العرب، وعضو الاتحاد الدولي للصحافة الالكترونية
ليست هناك تعليقات