شتاء غزة.. مآسٍ تتكالب على فقرائها
فوق بطانية مبتلة بالمياه تجلس اسمهان وزوجها محمود وبعض أبنائهما الثمانية، يتحلقون حول موقد لنار من الحطب؛ بحثا عن دفء مفقود بمنزلهم، بعد أن غرقت أرضيته بمياه الأمطار المتدفقة من الشارع، أو تلك المتساقطة من أسقف المنزل المهترئة والمتسربة من جدرانه المتشققة.
لكن نار الحطب الضعيفة لم تكن كافية لتدفئة الصغار وأجسادهم النحيلة المرتجفة، وهم يرتدون ملابس ممزقة وبلا أحذية، حيث تعد عائلة محمود فراونة ضمن العائلات الأشد فقراً بقطاع غزة، إذ لا تتوفر على مسكن آمن ووسائل تدفئة، وملابس شتوية تحمي أبناءها من زمهرير الشتاء.
وسط هذه الظروف البائسة، لم تجد اسمهان سوى الدموع للتعبير عن مأساة عائلتها المتفاقمة في فصل الشتاء، وتتساءل في حديثها للجزيرة نت: "أقَدرُنا أن نعذب مع أبنائنا بأمطار الخير؟ أم أنه تقصير ممن ولاهم الله أمورنا؟"
فصل المعاناة
وبينما تفيض الأم بأوجاعها، يستعرض الأب فصولا أخرى من معاناة عائلته أسوة بعائلات كثيرة، تتفاقم مآسيها خلال فصل الشتاء، كلجوئه لتغطية فلذات أكباده بقطع النايلون لحمايتهم من الأمطار، واضطرار ابنه علاء (14 عاما) لتجميع الطوب من الشوارع والبيوت المدمرة بأشد الأحوال الجوية سوءا، سعيا وراء الحصول على سبعة شواكل يوميا (دولارين).
ولا يتمنى الأب بحديثه للجزيرة نت أكثر من "ستر الله"، رغم الأوضاع المؤلمة لعائلته، حاله كحال كثيرين ممن انقض عليهم الشتاء، واضطر بعضهم لنقل زوجته وأطفاله تحت جنح الظلام والأمطار الغزيرة لأحد منازل أقاربه بعدما غرق منزله كالشاب خالد أبو نمر.
فالمحاولات المتكررة لتأمين جوانب منزل الثلاثيني أبو نمر بأكياس من الرمال باءت بالفشل، وتدفقت مياه الأمطار للساحة الداخلية والغرف، لتتكرر هذه الحادثة بتفاصيلها الموجعة كل موسم شتاء، كأنها "نكبة سنوية لا فكاك منها"، كما يقول الشاب بألم للجزيرة نت.
معاناة عائلة أبو نمر تتشابه مع معاناة كثيرة لسكان العشوائيات بقطاع غزة، حيث تُغرق مياه الأمطار الشوارع الترابية (غير المعبدة)، ثم تندفع بقوة داخل المنازل المكونة في أغلبها من ألواح الصفيح، قبل أن يغادرها بعض سكانها حتى يتوقف هطول الأمطار، أو يتم إخراج المياه منها بشكل يدوي.
وإذا كانت مآسي فصل الشتاء تبرز جليا في 29 حيًّا ومنطقة عشوائية منتشرة بالقطاع، فإنها تظهر كذلك في تجمعات سكنية أخرى، حسب وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان ناجي سرحان، حيث تغيب البنى التحتية كالطرق المهيأة وشبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، ناهيك عن عدم توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية.
تداعيات الحصار
ويعزو الوكيل تفاقم معاناة الغزيين بشكل عام، والفقراء بوجه خاص، خلال فصل الشتاء إلى الحصار ومنع الاحتلال إدخال مواد البناء والمواد الأساسية بالبنى التحتية إلا بإجراءات معقدة، إضافة إلى سنوات الانقسام التي وصفها بالعجاف، وما نتج عنها من ضعف تمويل المانحين الغربيين للمشاريع بغزة.
وبينما يتحدث المسؤول الحكومي للجزيرة نت عن نقص تسعين ألف وحدة سكنية بغزة، ونحو 13 ألف وحدة سنويا لمعادلة النمو السكاني، إضافة إلى آلاف البيوت المدمرة خلال الحروب، فهو يحذر من توسع وتفاقم المناطق العشوائية لغياب حلول توفر مساكن ملائمة لقاطنيها.
ولم تبن خلال السنوات العشر الأخيرة سوى مئات الوحدات السكنية لصالح الفقراء، حسب المسؤول الحكومي، بينما تزيد الحاجة على ثلاثين ألف وحدة سكنية للفقراء، إضافة إلى تأهيل الطرق والمرافق واحتياجات المناطق السكنية الأخرى.
ولئن كان واقع حال التجمعات المهمشة بالقطاع خلال الشتاء يغني عن السؤال حول معيشة السكان، فإن حالة العوز الشديد لأبسط الاحتياجات الشتوية كالأغطية وملابس الشتاء، وأدوات التدفئة كبيرة وكثيرة مقارنة بالقليل المقدم لهؤلاء الأشد عوزا من مساعدات، وفق حديث الناشط بالعمل الإغاثي أسامة دويدار.
ويؤكد دويدار للجزيرة نت أن معاناة عائلات أفقر الفقراء تحتاج إلى تدخل خيري واسع لإنشاء منازل مناسبة لهم، أو تأهيل منازلهم الحالية لإنهاء معاناتهم في فصل الشتاء. ويدعو الناشط إلى تزويدهم بالحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية للتقليل من تداعيات الأمطار والبرد القارص على صغارهم.
ليست هناك تعليقات